مواضيع مماثلة
بحـث
المواضيع الأخيرة
الحروز العشرة للوقاية من السحر والحسد والعين
صفحة 1 من اصل 1
الحروز العشرة للوقاية من السحر والحسد والعين
الحروز العشرة للوقاية من السحر والحسد والعين
ابن القيم الجوزية
قال الإمام الحافظ ابن قيم الجوزية رحمه الله بعد كلامٍ له سبق في الحسد والعينوالسحر:
ويندفع شر الحاسد عن المحسود بعشرة أسباب أحدها
السبب الأول: التعوذ بالله من شره
والتحصن به واللجأ إليه وهو المقصود بهذه السورة [سورة الفلق] والله تعالى سميعلاستعاذته، عليم بما يستعيذ منه. والسمع هنا المراد به: سمع الإجابة لا السمعالعام، فهو مثل قوله: ( سمع الله لمن حمده ) وقول الخليل: إِنَّرَبِّى لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ[إبراهيم:39] ومرة يقرنه بالعلم، ومرة بالبصر لاقتضاءحال المستعيذ ذلك، فإنه يستعيذ به من عدو يعلم أن الله يراه ويعلم كيده وشره.
فأخبر الله تعالى هذا المستعيذ أنه سميع لاستعاذته، أي مجيب، عليم بكيد عدوه،يراه ويبصره لينبسط أمل المستعيذ، ويُقبل بقلبه على الدعاء.
وتأمل حكمة القرآن كيف جاء في الاستعاذة من الشيطان الذي نعلم وجوده ولا نراهبلفظالسَّمِيعُ العلِيمفي الأعراف وحم والسجدة، وجاءت الاستعاذة من شر الإنسالذي يؤنسون ويرون بالأبصار بلفظالسَّمِيعُ البَصِيرُفي سورة حم المؤمن فقال: إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِى آيَاتِ اللهِ بِغَيرِسُلطَانٍأَتَاهُم إِن فِى صُدُورِهِم إِلا كِبرٌ مَّاهُم بِبَالِغِيهِ فاستَعِذ بِاللهِإِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الَبصِيرُ[غافر:56] لأن أفعال هؤلاء أفعال معاينة ترى بالبصر،وأما نزغ الشيطان فوساوس وخطرات يلقيها في القلب يتعلق بها العلم. فأمر بالاستعاذةبالسميع العليم فيها، وأمر بالاستعاذة بالسميع البصير في باب ما يرى بالبصر ويدركبالرؤية. والله أعلم.
السبب الثاني: تقوى الله
وحفظه عند أمره ونهيه، فمن اتقى الله تولى حفظه ولم يكله إلى غيره، قال تعالى: وَإنْتَصبِرُوا وَتَتَّقُواْ لا يَضُرُّكُمْ كَيدُهُم شَيئاً[آلعمران:120].
وقال النبيلعبدالله بن عباس: { احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجدهتجاهك }.
فمن حفظ الله حفظه الله، ووجده أمامه أينما توجه، ومن كان الله حافظه وأمامه فمنيخاف ومن يحذر؟!
السبب الثالث: الصبر على عدوه
وأن لا يقاتله ولا يشكوه، ولا يحدث نفسه بأذاه أصلاً، فما نُصر على حاسده وعدوهبمثل الصبر عليه والتوكل على الله، ولا يستطل تأخيره وبغيه، فإنه كلما بغى عليه كانبغيه جنداً وقوة للمبغي عليه المحسود يقاتل به الباغي نفسه وهو لا يشعر، فبغيه سهاميرميها من نفسه إلى نفسه، ولو رأى المبغي عليه ذلك لسره بغيه عليه، ولكن لضعفبصيرته لا يرى إلا صورة البغي دون آخره ومآله، وقد قال تعالى: وَمَنعَاقَبَ بِمِثلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيهِ لَيَنصُرَنَّهُ اللهُ[الحج:60]. فإذا كان الله قد ضمن له النصر مع أنه قد استوفى حقه أولاً، فكيف بمن لم يستوفِشيئاً من حقه بل بغي عليه وهو صاب؟. وما من الذنوب ذنب أسرع عقوبة من البغي وقطيعةالرحم وقد سبقت سنة الله ( إنه لو بغى جبل على جبل جعل الباغي منهما دكّا ).
السبب الرابع: التوكل على الله
فمن يتوكل على الله فهو حسبه. والتوكل من أقوى الأسباب التي يدفع بها العبد مالا يطيق من أذى الخلق وظلمهم وعدوانهم، وهو من أقوى الأسباب في ذلك، فإن الله حسبهأي كافيه، ومن كان الله كافيه وواقيه فلا مطمع فيه لعدوه، ولا يضره إلا أذى لابدمنه كالحر والبرد والجوع والعطش.
وأما ما يضره بما يبلغ منه مراده فلا يكون أبداً. وفرق بين الأذى الذي هو فيالظاهرإيذاء له وهو في الحقيقة إحسان إليه وإضرار بنفسه، وبين الضرر الذي يتشفى بهمنه. قال بعض السلف: جعل الله لكل عمل جزاء من جنسه، وجعل جزاء التوكل عليه نفسكفايته لعبده فقال: وَمَن يَتَوَكَّلعَلَى اللهِ فَهُوَ حَسبُهُ[الطلاق:3]. ولم يقل نؤته كذا وكذا من الأجر كما قال في الأعمال، بل جعل نفسه سبحانه كافي عبدهالمتوكل عليه وحسبه وواقيه. فلو توكل العبد على الله حق توكله وكادته السماواتوالأرض ومن فيهن لجعل له ربه مخرجاً من ذلك وكفاه ونصره. وقد ذكرنا حقيقة التوكلوفوائده وعظم منفعته وشدة حاجة العبد إليه في كتاب "الفتح القدسي" وذكرنا هناك فسادمن جعله من المقامات المعلولة. وأنه من مقامات العوام، وأبطلنا قوله من وجوه كثيرةوبينا أنه من أجلّ مقامات العارفين، وأنه كلما علا مقام العبد كانت حاجته إلىالتوكل أعظم وأشد، وأنه على قدر إيمان العبد يكون توكله، وإنما المقصود هنا ذكرالأسباب التي يندفع بها شر الحاسد والعائن والساحر والباغي.
السبب الخامس: فراغ القلب من الاشتغال به والفكر فيه
وأن يقصد أن يمحوه من باله كلما خطر له! فلا يلتفت إليه، ولا يخافه، ولا يملأقلبه بالفِكْر فيه، وهذا من أنفع الأدوية وأقوى الأسباب المعينة على اندفاع شره،فإن هذا بمنزلة من يطلبه عدوه ليمسكه ويؤذيه، فإذا لم يتعرض له ولا يتماسك هو وإياهبل انعزل عنه لم يقدر عليه، فإذا تماسكاً وتعلق كل منهما بصاحبه حصل الشر. وهكذاالأرواح سواء. فإذا علق روحه وشبثها به، وروح الحاسد الباغي متعلقة به يقظة ومناماًلا يفتر عنه، وهو يتمنى أن يتماسك الروحان، ويتثبتا، فإذا تعلقت كل روح منهمابالأخرى، عدم القرار، ودام الشر حتى يهلك أحدهما. فإذا جبذ روحه منه، وصانها عنالفكر فيه والتعلق به، وأن لا يخطره بباله، فإذا خطر بباله بادر إلى محو ذلك الخاطروالاشتغال بما هو أنفع له وأولى به: بقي الحاسد الباغي يأكل بعضه بعضاً، فإن الحسدكالنار فإذا لم تجد ما تأكله أكل بعضها بعضاً، وهذا باب عظيم النفع لا يلقاه إلاأصحاب النفوس الشريفة والهمم العالية، [أما الغمر الذي يريد الانتقام والتشفي منعدوه فإنه بمعزل عنه، وشتان] بين الكيس الفطن وبينه، [ولا يمكن أحداً معرفة قدره] حتى يذوق حلاوته وطيبه ونعيمه، كأنه يرى من أعظم عذاب القلب والروح اشتغاله بعدوهوتعلق روحه به، ولا يرى شيئاً ألم لروحه من ذلك، ولا يصدق بهذا إلا النفوس المطمئنةالوادعة اللينة التي رضيت بوكالة الله لها، وعلمت أن نصره لها خير من انتصارها هيلنفسها، فوثقت بالله، وسكنت إليه، واطمأنت به، وعلمت أن ضمانه حق، ووعده صدق، وأنهلا أوفى بعهده من الله، ولا أصدق منه قيلاً، فعلمت أن نصره لها أقوى وأثبت وأدوموأعظم فائدة من نصرها هي لنفسها أو نصر مخلوق مثلها لها. ولا يقوى على هذا إلا بـ:
السبب السادس: وهو الإقبال على الله والإخلاص له
وجعل محبته ورضاه والإنابة إليه في محل خواطر نفسه وأمانيها تدب فيها دبيب تلكالخواطر شيئاً فشيئاً حتى يقهرها ويغمرها ويذهبها بالكلية فتبقى خواطره وهواجسهوأمانيه كلها في محاب الرب، والتقرب إليه وتملقه وترضيه واستعطافه وذكره كما يذكرالمحب التام المحبة محبوبة المحسن إليه الذي قد امتلأت جوانحه من حبه فلا يستطيعقلبه انصرافاً عن ذكره، ولا روحه انصرافاً عن محبته، فإذا صار كذلك فكيف يرضى لنفسهأن يجعل بيت أفكاره وقلبه معموراً بالفكر في حاسده والباغي عليه والطريق إلىالانتقام منه والتدبير عليه؟ هذا ما لا يتسع له إلا قلب خراب لم تسكن فيه محبة اللهوإجلاله، وطلب مرضاته. بل إذا مسه طيف من ذلك واجتاز ببابه من خارج ناداه حرس قلبه: " إياك وحمى الملك! اذهب إلى بيوت الخانات التي كل من جاء حل فيها ونزل بها. ما لكولبيت السلطان الذي أقام عليه اليزك، وأدار عليه الحرس، وأحاطه بالسور؟".
قال تعالى حكاية عن عدوه إبليس أنه قال: فَبِعزَّتِكَ لأُغوِيَنَّهُمأَجمَعِينَ (82) إِلا عِبَادَكَ مِنهُمُالمُخلَصِينَ[ص:83،82].
فقال تعالى: إِنَّ عِبَادِى لَيسَ لَكَ عَلَيهِم سُلطَان[الحجر:42].
وقال تعالى: إِنَّهُ لَيسَ لَهُ سُلطَان عَلَى الَّذِينَآمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِم يَتَوَكَّلُونَ (99) إِنَّمَا سُلطَانُهُعَلَىالَّذِينَ يَتَوَلَّونَهُ وَالَّذِينَ ةَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشرِكُونَ[النحل:99، 100].
وقال في حق الصديق يوسف عليه السلام: كَذَلِكَ لِنَصرِفَ عَنهُ السُّوءَوَالفَحشَاءَ إِنَّهُ مِنعِبَادِنَا المُخلَصِينَ[يوسف:24].
فما أعظم سعادة من دخل هذا الحصن، وصار داخل اليزك! لقد آوى إلى حصن لا خوف علىمن تحصن به، ولا ضيعة على من آوى إليه، ولا مطمع للعدو في الدنو إليه منه: ذَلِكَ فَضلُ اللهِيُؤتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الفَضلِ العَظِيمِ[الجمعة:4].
السبب السابع: تجريد التوبة إلى الله
من الذنوب التي سَلَّطت عليه أعداءه فإن الله تعالى يقول: وَمَاأَصَابَتكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَاكَسَبَت أَيدِيكُم[الشورى:30]، وقال لخير الخلق،وهم أصحاب نبيه دونه: أَوَلَمَّا أَصَابَتكُممُّصِيبَةٌ قَد أَصَبتُم مِّثلَيهَا قُلتُمأَنَّى هَذَا قُل هُوَ مِن عِندِ أَنفُسِكُم[آل عمران:165].
فما سلط على العبد من يؤذيه إلا بذنب يعلمه أو لا يعلمه. وما لا يعلمه العبد منذنوبه أضعاف ما يعلمه منها، وما ينساه مما عمله أضعاف ما يذكره. وفي الدعاءالمشهور: ( اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم ). فمايحتاج العبد إلى الاستغفار منه مما لا يعلمه أضعاف أضعاف ما يعلمه، فما سُلط عليهمؤذ إلا بذنب.
ولقى بعضَ السلف رجل فأغلظ له، ونال منه، فقال له: قف حتى أدخل البيت ثم أخرجإليك، [فدخل]، فسجد لله وتضرع إليه وتاب وأناب إلى ربه ثم خرج إليه. فقال له: ماصنعت؟ فقال: تبت إلى الله من الذنب الذي سلطك به عليّ.
وسنذكر إن شاء الله تعالى أنه ليس في الوجود شر إلا الذنوب وموجباتها، فإذا عوفيالعبد من الذنوب عوفي من موجباتها، فليس للعبد إذا بغي عليه وأذى وتسلط عليه خصومهشيء أنفع له من التوبة النصوح.
وعلامة سعادته أن يعكس فكره ونظره على نفسه وذنوبه وعيوبه، فيشتغل بها وبإصلاحهاوبالتوبة منها، فلا يبقى فيه فراغ لتدبر ما نزل به، بل يتولى هو التوبة وإصلاحعيوبه، والله يتولى نصرته وحفظه والدفع عنه ولابد، فما أسعده من عبد! وما أبركها مننازلة نزلت به! وما أحسن أثرها عليه! ولكن التوفيق والرشد بيد الله، لا مانع لماأعطى، ولا معطي لما منع، فما كل أحد يوفق لهذا، لا معرفة به ولا إرادة له ولا قدرةعليه، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
السبب الثامن: الصدقة والإحسان ما أمكنه
فإن لذلك تأثيراً عجيباً في دفع البلاء ودفع العين وشر الحاسد، ولو لم يكن فيهذا إلا بتجارب الأمم قديماً وحديثاً لكفى به، فما تكاد العين والحسد والأذى يتسلطعلى محسن متصدق، وإن أصابه شيء من ذلك كان معاملاً فيه باللطف والمعونة والتأييد،وكانت له فيه العاقبة الحميدة. فالمحسن المتصدق في خفارة إحسانه وصدقته عليه منالله جنة واقية، وحصن حصين. وبالجملة فالشكر حارس النعمة من كل ما يكون سبباًلزوالها.
ومن أقوى الأسباب حسد الحاسد والعائن، فإنه لا يفتر ولا يني ولا يبرد قلبه حتىتزول النعمة عن المحسود، فحينئذ يبرد أنينه وتنطفىء ناره - لا أطفأها الله - فماحرس العبد نعمة الله عليه بمثل شكرها، ولا عرَّضها للزوال بمثل العمل فيها بمعاصيالله، وهو كفران النعمة وهو باب إلى كفران المنعم.
فالمحسن المتصدق يستخدم جنداً وعسكراً يقاتلون عنه وهو نائم على فراشه. فمن لميكن له جند، ولا عسكر، وله عدو فإنه يوشك أن يظفر به عدوه؛ وإن تأخرت مدة الظفر؛والله المستعان
السبب التاسع: إطفاء نار الحسد والباغي والمؤذي بالإحسانإليه
وهو من أصعب الأسباب على النفس وأشقها عليها ولا يوفق له إلا من عظم حظه منالله، وهو إطفاء نار الحاسد والباغي والمؤذي بالإحسان إليه. فكلما ازداد أذى وشراًوبغياً وحسداً ازددت إليه إحساناً، وله نصيحة، وعليه شفقةً، وما أظنك تُصدِّق بأنهذا يكون فضلاً عن أن تتعاطاه فاسمع الآن قوله عز وجل: وَلاتَستَوِى الحَسَنَةُ وَلا السَّيِئَةُ ادفَع بِالَّتِى هِىَ أَحسَنُ فَإِذَاالَّذِى بَينَكَوَبَينَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِىٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَايُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُواْ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35) وَإِمَّا يَنَزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيطَانِ نَزغٌ فَاستَعِذ بِاللهِ إِنَّهُهُوَ السَّمِيعُالعَلِيمُ[فصلت:34-36].
[size=12]وقال تعالى: أُولَئِكَ يُؤتَونَ أَجرَهُم مَّرَّتَينِ بِمَاصَبَرُواْ وَيَدرَءُونَ بِالحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقنَاهُميُنفِقُونَ[القصص:54].
وتأمل حال النبيالذي حكى عنه نبيناأنه ضربه قومه حتى أدموه فجعل يسلت الدم عنه ويقول: { اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون}.
كيف جمع في هذه الكلمات الأربع مقامات من الإحسان قابل بها إساءتهم العظيمةإليه؟
أحدها: عفوه عنهم.
والثاني: استغفاره لهم.
والثالث: اعتذاره عنهم بأنهم لا يعلمون.
والرابع: استعطافه لهم بإضافتهم إليه، فقال: { اغفرلقومي }كما يقول الرجل لمن يشفع عنده فيمن يتصل به: هذا ولدي، هذاغلامي، هذا صاحبي، فهيه لي.
واسمع الآن ما الذي يسهل هذا على النفس ويطيبه إليها وينعمها به:
اعلم أن لك ذنوباً بينك وبين الله، تخاف عواقبها وترجوه أن يعفو عنها ويغفرها لكويهبها لك. ومع هذا لا يقتصر على مجرد العفو والمسامحة حتى ينعم عليك ويكرمك، ويجلبلك من المنافع والإحسان فوق ما تؤمله.
فإذا كنت ترجو هذا من ربك وتجب أن يقابل به إساءتك، فما أولاك وأجدرك أن تعاملبه خلقه، وتقابل به إساءتهم ليعاملك الله تلك المعاملة، فإن الجزاء من جنس العمل،فكما تعمل مع الناس في إساءتهم في حقك، يفعل الله معك في ذنوبك وإساءتك جزاءوفاقاً، فانتقم بعد ذلك أو اعف، وأحسن أو اترك، فكما تدين تدان وكما تفعل مع عبادهيفعل معك.
فمن تصور هذا المعنى وشغل به فكره هان عليه الإحسان إلى من أساء إليه.
وهذا مع ما يحصل له بذلك من نصر الله ومعيته الخاصة كما قال النبيللذي شكى إليه قرابته،وأنه يحسن إليهم وهم يسيئون إليه فقال: { لا يزال معكمن الله ظهير ما دمت على ذلك }.
هذا مع ما يتعجله من ثناء الناس عليه، ويصيرون كلهم معه على خصمه، فإن كل من سمعأنه محسن إلى ذلك الغير، وهو مسيء إليه، وجد قلبه ودعاءه وهمته مع المحسن علىالمسيء، وذلك أمر فطري فطر الله عليه عباده.
فهو بهذا الإحسان قد استخدم عسكراً لا يعرفهم ولا يعرفونه، ولا يريدون منهإقطاعاً ولا خبزاً. هذا مع أنه لابد له مع عدوه وحاسده من إحدى حالتين:
إما أن يملكه بإحسانه فيستعبده، وينقاد له، ويذل له ويبقى [من أحب] الناس إليه.
وإما أن يفتت كبده، ويقطع دابره، إن أقام على إساءته إليه، فإنه يذيقه بإحسانهأضعاف ما ينال منه بانتقامه. ومن جرب هذا عرفه حق المعرفة، والله هو الموفق المعين،بيده الخير كله لا إله غيره، وهو المسئول أن يستعملنا وإخواننا في ذلك بمنه وكرمه.
وفي الجملة ففي هذا المقام من الفوائد ما يزيد على مائة منفعة للعبد، في عاجلهوآجله، سنذكرها في موضع آخر إن شاء الله تعالى.
السبب العاشر: تجريد التوحيد
وهو الجامع لذلك كله، وعليه مدار هذه الأسباب. وهو تجريد التوحيد، والترحلبالفكر في الأسباب إلى المسبب العزيز الحكيم، والعلم بأن هذه الآلات بمنزلة حركاتالرياح، وهي بيد محركها، وفاطرها وبارئها، ولا تضر ولا تنفع إلا بإذنه، فهو الذييحسن عبده بها وهو الذي يصرفها عنه وحده، لا أحد سواه. قال تعالى: وَإِنيَمسَسكَ اللهُ بِضُرٍ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلا هُوَ وَإِن يُرِدكَ بِخَيرٍفَلاَرَادَّ لِفَضلِهِ[يونس:107].
وقال النبيلعبدالله بن عباس رضي الله عنهما: { واعلم أن الأمة لواجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا علىأن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء كتبه الله عليك }.
فإذا جرد العبد التوحيد فقد خرج من قلبه خوف ما سواء، وكان عدوه أهون عليه من أنيخافه مع الله، بل يفرد الله بالمخافة، وقد أمنه منه، وخرج من قلبه اهتمامه بهواشتغاله به وفكره فيه، وتجرد لله محبة وخشية وإنابة وتوكلاً واشتغالاً به عن غيره،فيرى أن إعماله فكره في أمر عدوه وخوفه منه واشتغاله به من نقص توحيده، وإلا فلوجرد توحيده لكان له فيه شغل شاغل. والله يتولى حفظه، والدفع عنه، فإن الله يدافع عنالذين آمنوا، فإن كان مؤمناً، فالله يدافع عنه ولابد، وبحسب إيمانه يكون دفاع اللهعنه، فإن كمل إيمانه كان دفع الله عنه أتم دفع، وإن مزج مزج له، وإن كان مرة ومرةفالله له مرة ومرة، كما قال بعض السلف: ( من أقبل على الله بكليته أقبل الله عليهجملة، ومن أعرض عن الله بكليته أعرض الله عنه جملة، ومن كان مرة ومرة فالله مرةومرة ).
فالتوحيد حصن الله الأعظم الذي من دخله كان من الآمنين، قال بعض السلف: ( من خافالله خافه كل شيء، ومن لم يخف الله أخافه من كل شيء ).
فهذه عشرة أسباب يندفع بها شر الحاسد والعائن والساحر، وليس له أنفع من التوجهإلى الله، وإقباله عليه، وتوكله عليه، وثقته به، وأن لا يخاف معه غيره، بل يكونخوفه منه وحده، ولا يرجو سواء بل يرجوه وحده، فلا يعلق قلبه بغيره، ولا يستغيثبسواه، ولا يرجو إلا إياه، ومتى علق قلبه بغيره، ورجاه وخافه وُكِلَ إليه وخُذل منجهته؛ فمن خاف شيئاً غير الله سُلط عليه، ومن رجا شيئاً سوى الله خذل من جهته وحرمخيره. هذه سنة الله في خلقه، ولن تجد لسنة الله تبديلاً.
MMAMDR- عضو مميز جدا
- عدد المساهمات : 710
نقاط : 2123
تاريخ التسجيل : 19/09/2009
العمر : 41
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الأحد أغسطس 18, 2019 11:10 pm من طرف Admin
» شجرة مانجو معجزة
الأحد أغسطس 18, 2019 11:03 pm من طرف Admin
» كيفيه عمل صيانه لمواسير بئر جوفي
الأحد أغسطس 18, 2019 11:01 pm من طرف Admin
» كيف نصنع NPK فيديو
الأحد أغسطس 18, 2019 10:57 pm من طرف Admin
» قناه مانجو الزراعية على اليوتيوب
الخميس سبتمبر 06, 2018 12:56 am من طرف Admin
» يعني ايه استنبات الشعير
الخميس سبتمبر 06, 2018 12:53 am من طرف Admin
» انشاء حوض مياه لتخزين المياه ولتربية الاسماك
الخميس سبتمبر 06, 2018 12:49 am من طرف Admin
» طريقة فحت جور لزراعة النخيل
الخميس سبتمبر 06, 2018 12:47 am من طرف Admin
» مانجو كيت عمر عامان ملوحة مياه 1300 ج م
الخميس سبتمبر 06, 2018 12:44 am من طرف Admin